آخر المواضيع

منوعات

صوت وصورة

6/20/2015

حركة 20 فبراير والحركة الاجتماعية بالمغرب

حركة 20 فبراير والحركة الاجتماعية بالمغرب

من الخطأ الاعتقاد أن النضالات التي خاضتها حركة 20 فبراير هي وليدة اليوم. فتاريخ الحركة الاجتماعية في المغرب هو تاريخ حافل بالنضالات والتضحيات التي قدمتها الطليعة النضالية لعقود من الزمن، بحيث نجتنب الصواب إن قلنا أن النضال الجماهيري قد بدأ في هذه اللحظة دون غيرها[1].
كم من النضالات خاضتها حركة 20 فبراير إلى حدود اليوم[2]؟
لا أحد بإمكانه نكران الأهمية القصوى لنضالات الحركة اليوم. فقد استطاعت أن تنزع الخوف وأن تقبر مجمل التخوفات التي كانت بالأمس عائقا لدى قسم واسع من الطليعة النضالية. فليس من السهل مواجهة القمع الشرس الذي ينهجه المخزن في حق الحركات الاجتماعية. فإلى عهد قريب جدا (أي قبيل اندلاع الثورة التونسية) لم يكن من الممكن الحديث عن نضالات البروليتاريا الرثة (القطاع غير المهيكل) في هذه الرقعة من العالم العربي. حيث غذت هذه الفئة التي تشكل قسطا مهما من اليد العاملة النشيطة والمقصية من العمل نسبة هامة في السكان النشيطين[3].
تتميز حركة 20 فبراير بكونها أولا حركة سياسية، اتخذت من مطلب إسقاط الفساد والاستبداد شعارا سياسيا استراتيجيا، يدعمه مطلب الملكية البرلمانية وحل الحكومة والبرلمان وانتخاب مجلس تأسيسي. ولكنها في الآن ذاته حركة اجتماعيةتناضل من أجل مطالب الشعب المغربي الاقتصادية والاجتماعية. لذا سوف نركز حديثنا عن المستوى السياسي في الحركة من جهة وعن المستوى الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى. لفهم العلاقة بين حركة 20 فبراير والحركات الاجتماعية الأخرى.
إن المطالب السياسية التي شكلت محور انطلاق دينامية الحركة ستتعزز أكثر وتصبح ملحاحية مع خطاب 9 مارس الذي بشر بالتعديل الدستوري، وصحيح أن المخطط المخزني الذي تلا الخطاب قد حاول أن يحبس الحركة في أفق المطلب الدستوري بالطريقة التي ترتضيها القوى السياسية الفاسدة، إلا أن المعركة التي خاضتها الحركة منذ 9 مارس إلى حدود فاتح يوليوز (تاريخ الاستفتاء الدستوري)، ستعمق الأزمة السياسية بالمغرب أكثر.
لم يكن من الممكن الحديث عن حركة سياسية قوية في تاريخ المغرب السياسي المعاصر كحركة 20 فبراير. وذلك بالنظر إلى الظروف المحلية والإقليمية التي تعرفها المنطقة، وإلى تعمق أزمة الرأسمالية العالمية التي بلغت ذروتها المتوقعة مع تدويل الأزمة المالية العالمية وتعميم الموديل النيوليبرالي الفاشل.
فلأول مرة في تاريخ المغرب السياسي المعاصر نجد أنفسنا أمام نضالات لا مثيل لها: نضالات عارمة وناضجة بما فيه الكفاية، تتوسع أكثر فأكثر وتعمق شروط قيام ثورة سياسية حقيقية، إذا ما تم التفكير في أفق هذا النضال السياسي.
نضالات تدمج الكل في الكل، وتصب جميعها في مسار مناهضة الفساد والاستبداد، وتؤمن بإمكانية التغيير أكثر وهو الأمر الذي لم يكن ممكنا إلى عهد قريب، حيث القوى السياسية تقبل بقوانين اللعبة السياسية وتدخل حيز المناورة كلما أمكن ذلك. ناهيك عن انسداد الأفق السياسي فتجربة اليسار المغربي التي أدت في جميع الحالات (باستثناء ما تبقى من الحركة الماركسية اللينينية المنظمة في تيارات سياسية) إلى القبول بلعبة المعارضة والدخول إلى المؤسسات السياسية، ساهمت في تقوية جبهة الملكية وانعزال القوى المناضلة عن الجماهير والقبول بسياسة المناورة بالملفات الاجتماعية والنقابية.
وتبقى بعض القوى اليسارية الأكثر جذرية ضعيفة أو غير منظمة، ولكنها تمارس تأثيرها على طليعة نضالية مهمة. تنضاف إليها بعض التيارات الإسلاموية التي ترفض أصلا المعارضة السياسية إلا من خارج النظام.
لم تدشن هذه التيارات والقوى أي نضال سياسي مباشر ضد السلطة السياسية، ولكنها تتواجد في النضالات والحركات الاجتماعية المناضلة. ففي الانتخابات حيث تتاح الفرصة لنضال سياسي تكتفي هذه القوى ببيانات تنديدية أو بمنشورات تدعو إلى المقاطعة. ولكنها على العموم تسجل موقفها من المشهد السياسي، رغم تأثيرها المحدود والضيق.
اليوم ونحن أمام وضع إقليمي جديد، أتيحت الفرصة لممارسة نضال سياسي حقيقي في الشارع خارج قواعد اللعبة، ودون التقيد بأية مساومة سياسية أو أي تواطئ مع النظام السياسي.
صحيح أن الأحزاب والقوى السياسية التي رفضت الانصياع لقواعد اللعبة ضعيفة جدا، ولكنها وبفعل تراكماتها في الحركات الاجتماعية والنقابات والجمعيات، استطاعت أن تحشد لحراك 20 فبراير المزيد من التأييد. وهكذا وأمام الانتصار الذي أحرزته الثورة التونسية والمصرية، واندلاع الثورة الليبية (17 فبراير)، فإن موعد 20 فبراير كان مناسبا وملائما. وعلى الرغم من الحملة الشنيعة التي شنتها الأجهزة الاستخباراتية فإن خروج الجماهير إلى الشارع في عشرات المدن عزز الثقة في الحركة، وأخرجها من صفحات الفايسبوك إلى الواقع. ولكن لنفهم دلالات هذا الخروج من العالم الافتراضي إلى الشارع:من ساهم فعلا في هذا الخروج؟
صحيح أن العديد من الطلائع النضالية كانت تعتبر أن الحركة ستكون مجرد حركة افتراضية، وأن الأمل المعقود على الشباب الجاثم وراء الشاشات يتبدد يوما عن يوم. تزكي هذه الفكرة عدم إقبال الآلاف على الصفحات الثلاثة التي شهدت نقاشات حقيقية.
إلا أن جزءا هاما من الطليعة النضالية والتي راكمت طوال العقد الأخير ما يكفي من التجربة لقيادة نضال سياسي مباشر في الشارع، استطاعت بفضل وعيها بضرورة التغيير أن تقتحم الميدان وأن تعبئ الناس لتعبد الطريق أمام قسط واسع من الطلائع المسيسة هنا وهناك.
العديد من الطاقات النضالية الجمعوية والنقابية والسياسية التي لا تجري وراء الظهور الإعلامي، كانت الوقود الحقيقي للحركة في بداياتها. وأغلب هؤلاء لا يطمحون إلى أي بروز سياسي ولا إلى أي منصب أو ما شابه. قاسمهم المشترك هو الحلم الذي ينشدونه.
منذ يوم اليوم الأول (20 فبراير) والحركة تعمل جاهدة على النضال من أجل الحريات السياسية، ومن أجل دستور ديمقراطي يحقق المواطنة والعدالة والكرامة لكل المغاربة، دستور الأحرار وليس دستور العبيد. ولقد تمكنت فعلا من خلال التعبئات التي نظمتها الحركة في كل المدن والقرى، من هزم المخزن الذي لا يعترف بتاتا بأي شرعية للحركة. ولقد أبانت تلك التعبئات عن مخطط التصعيد الذي نهججه المخزن ضد الحركة والمتمثل في تجنيد "البلطجية" ضد الحركة. وهو الدليل على الخوف من الحركة.
ساهمت نضالات الحركة في تكريس ثقافة النضال السياسي في الشارع لكنها لم تنزع الشارع كاملا. وهي الثقافة التي لم تكن معهودة في المغرب. لكن هل تستطيع الحركة أن تحقق أي من أهدافها السياسية؟ هل يمكنها أن تؤسس مجلسا تأسيسيا؟
الواقع أن الحركة هي تعبير عن الضعف والوهن الذي أصاب الأحزاب السياسية. فقانون اللعبة السياسية يقضي بالدخول في المساومة مع الاستبداد والقبول بفتات من الكعكة، وإما الخروج عن الطاعة والتخندق إلى جانب المغضوب عليهم. هكذا يفهم النظام المستبد اللعبة السياسية.
من المجازفة أن تلعب الحركة دور الأحزاب السياسية. ولكن في الآن ذاته واقع الأحزاب السياسية المغربية اليوم لا يسمح بتغيير حقيقي. لذا يبدو من الواضح جدا أن الحركة ستلعب دورا حقيقيا باعتبارها سلطة مضادة، تقف في وجه كل الانتهازيين والخونة. ما لم تفضي هذه الدينامية السياسية إلى بديل سياسي حقيقي.
الحركة الاجتماعية:
لن نقف هنا عند تحديد ماهية الحركة الاجتماعية ولا الخوض في التعاريف الممكنة لها على اختلافها. وإنما نؤكد أن كل حركة اجتماعية إنما هي:
  1. حركة خبزية: مرهونة بالمطالب الفئوية أو القطاعية التي تؤطرها وتناضل من أجلها.
  2. حركة متعددة المشارب ومتنوعة التجارب: تتضمن تجارب سياسية متنوعة ولا تحمل نفس الهم.
  3. حركة تجريبية: empirique تختبر قدراتها في الشارع وتناور من اجل أهدافها.
  4. حركة محدودة: غالبا ما تنتهي بتحقيق مطالبها.
  5. حركة غير منسجمة.
  6. حركة متعددة الهويات.
  7. لا تستغل سلطتها المضادة لصالح التغيير السياسي.
  8. 8.           تظل تجربتها خاصة بها.  
شهدت الحركات الاجتماعية بالمغرب تغيرا ملحوظا مع بروز نضالات المعطلين (حاملي الشهادات) في عقد التسعينيات من القرن الماضي، كحركة دشنت لأول مرة في تاريخ المغرب المعاصر، نضالا حقيقيا في الشارع وكرست ثقافة الاحتجاج بقوة. ولقد قدمت الجمعية الوطنية للمعطلين حاملي الشهادات بالمغرب تضحيات جسام من أجل ذلك.
وستتعزز نضالات الحركة الاجتماعية بالاضرابات البطولية التي خاضتها نقابات قطاعية واسعة، وخاصة تلك النضالات التي تزامنت مع مشروع مدونة الشغل. حيث لعبت حكومة التناوب دورا في تمرير المزيد من القوانين التي كرست سياسة التقشف. وستتدعم هذه النضالات بنضالات القرى جراء حرمانها من الماء والكهرباء وجراء الفياضانات والمشكلات الاجتماعية.
ستنعكس تأثيرات السياسة الاجتماعية والاقتصادية التي دشنتها حكومة اليوسفي في توسيع دائرة الفقر في صفوف النساء في العالم القروي جراء القروض الصغرى، فالمشروع النيوليبرالي الذي زرع الوهم في نفوس المواطنين سيوسع دائرة التفقير وينغرس حتى في الأرياف التي لم تكن تعرف أي نشاط صناعي أو تجاري أو حرفي. فنظام الريع بالمغرب، سيعرف بعض الاختلالات الحقيقية ولكنها غير جوهرية، لأنه استطاع أن يحافظ على طبيعته وعلى التحكم السياسي المطلق. فالمرونة في علاقات الاستغلال والهشاشة التي تطبع الشغل في كل القطاعات، وانتشار المقاولات من الباطن وتعزيز سيطرة الشركات المتعددة الجنسية، وطغيان الاستثمارات في مناطق التبادل الحر، سيفتح أبوابا جديدة أمام التفقير، وسيساهم كل هذا في:
1.  تدمير قطاعات حيوية اجتماعية وخدماتية وحتى صناعية: الخوصصة، إفلاس الشركات الكبرى وتجديد رساميلها في قطاعات أخرى لم تكن بالأمس محور الاستثمار (تحول رساميل النسيج إلى التعليم الخاص، وتحول شركات كبرى إلى استثمارات مالية ومضاربات عقارية).
  1. فقدان العمل: تحول العمل القار إلى عمل مؤقت (نظام العقد les contrats )، غير مرتبط بنظام الحماية الاجتماعية.
  2. استغلال النساء أكثر (انظر تقارير الجمعيات النسائية بصدد مقاربة النوع le genre).
4.  تطور سياسة الإقراض وكأنها قدر ووصفة جاهزة لا مفر منها. فجمعيات القروض الصغرى التي لا تخضع لأية رقابة أغرقت القرى والأرياف بالديون لغرضين: تحقيق أرباح خيالية، والحد من النزوح إلى المدن.
  1. الإقصاء الاجتماعي والتهميش السياسي.
وسينتج عن كل هذا تنامي حركات اجتماعية تتميز بالمميزات السالفة الذكر.
تنامي الحركات الاجتماعية خاصة في أواخر القرن مع مخلفات سياسة حكومة التناوب، سيرسخ أكثر ثقافة الاحتجاج، وستظهر قيادات اجتماعية وسياسية من نوع جديد:
-       غير مرتبطة سياسيا؛
-       غير مؤدلجة؛
-       متنوعة الانتماءات؛
-       إصلاحية الأفق. أو فاقدة لمنظورات استراتيجية (les perspectives).
وهذا التنامي سيكون له أثره الواضح في حركة 20 فبراير، مما جعلنا نقول صراحة أن ولادة الحركة وانتشارها الواسع بهذا القدر له امتدادات قبلية، ويحكمها منطق التراكم، وان كانت عملية التحول من الكيف إلى النوع بطيئة جدا.
أكيد جدا أن على الحركة أن تنهج خطة اتجاه الحركات الاجتماعية، وأن تدعمها في نضالاتها اليومية وأن تمدها بالوسائل والأدوات الكفيلة بضمان وجودها إلى حين تحقيق مطالبها. فالنضالات الاجتماعية بالمغرب لن تتوقف بتاتا، ولا يمكن لأي مخطط سداسي أو عشري أن يوقف حدة الأزمة الاجتماعية. فالدولة تسير نحو الإفلاس، ولا سبيل لإنقاذها من براثين هذه الأزمة الشاملة إلا بمحاربة الفساد والاستبداد، فالأموال المودعة في الأبناك الأجنبية، والعقارات التي تملكها كمشة من المستبدين في الخارج، والاستثمارات الضخمة المتداولة في البورصات العالمية هي وحدها يمكن أن تنقذ مستقبل المغاربة.
خلاصة لا بد منها:
أمكننا القول بعبارة وجيزة، أن حركة 20 فبراير أمام رهان حقيقي نلخصه في الجملة التالية: حركة ذات سلطة مضادة. كيف ذلك؟
يظهر النقاش السياسي الذي دشنته القوى الفاعلة في الحركة أن الوضع السياسي لا زال على حاله. وإن كان على العموم الصراع داخلها بطيئا ويجري بأدوات وأساليب قديمة جدا. ولكنها غير قادرة على الإجابة عن المأمول لأن فقدان البوصلة يجعل الأدوات والحركة معا معاقة. مما يستلزم على كل مناضل حقيقي ويؤمن بضرورة التغيير النضال من أجل عدم عرقلة نضال الحركة بالنقاش السياسي والإيديولوجي العقيم. وفي الآن ذاته الدفع بالحركة كحركة مناضلة تمارس سلطة مضادة.
ما المقصود بالسلطة المضادة؟
لا نقصد بهذا الشعار، ازدواجية السلطة. بتاتا.
المقصود هو تحكم الحركة كليا في الحراك داخل الشارع، والوقوف أمام أي قوة سياسية تريد الاسترزاق بنضال الشعب والتضحية به لمصالح فردية انتهازية. نقول هذا الأمر بوعي لأن تجربة تونس ومصر وليبيا كشفت حقيقة غياب رؤية واضحة واستراتيجية لدى القوى الفاعلة في الحركة. ولكسب الرهان يتوجب دراسة هاته الحالات بدقة.
العلوي رشيد




[1] ومن المؤسف جدا أن الغالبية العظمى من "كتاب الساعة" (الذين يحترفون الكتابة اللحظية) لم يتنبهوا إلى حجم النضالات إلا مع فبراير الماضي. وهم أنفسهم يسخرون أقلامهم لتوجيه الضربات للحركة. ولا ينبغي أن يعتقدوا أن ذاكرة النضال المغربي قصيرة فأغلب ما يروج في الإعلام يقرأ ويفهم ويتبع، ويشكل حجة ضدهم.

[2]  - إلى حدود يوم 19 أبريل كان حجم النضالات التي عرفها المغرب منذ 20 فبراير يتجاوز 817 تظاهرة، حسب جريدة الاتحاد الاشتراكي، أما تصريح وزير الداخلية في البرلمان فقد اشار إلى أن الأمن في المغرب يواجه ما معدله 100 احتجاج يوميا.

[3] - ففي الوقت الذي تنفتح هذه البلدان على الأسواق الخارجية وعلى الاستثمارات الامبريالية الكبرى، وجدت هذه الفئة نفسها أمام شبح البطالة، وبالنظر إلى سياسة الترقيع التي نهجتها الحكومات المتعاقبة تم خلق أسواق عشوائية لامتصاص حجم البطالة الذي يطال الشباب المقصي من التعليم، ولامتصاص التدفق والزحف المتواصل لأبناء القرى للمدن.
هكذا وجدت الحكومات نفسها أمام مئات الآلاف في الشوارع الرئيسية للأحياء الحضرية الكبرى، مما فرض عليها اتخاذ مرونة في القمع والتعامل اليومي مع هذه الشريحة. في المغرب وبفعل الاحتكاك اليومي لفئة "المرود" (المخازنية) مع "الفراشة"، تفشت الرشوة بشكل لافت للانتباه، بحيث أصبح تمارس يوميا وأمام العلن، وبشكل فاقع، ينضاف إلى هذا تدني أجور هذه الفئة التي وجدت وسيلة لقضاء الأغراض.
التعليقات
0 التعليقات

إرسال تعليق

 
Copyleft © 2015 التثقيف الشبابي
Powered byBlogger