تتزايد يوما بعد يوم أخطار انتشار الجماعات الاسلامية المتطرفة التي لا تجيد سوى لغة القتل والتفجير، سواء ضد من يخالفها الدين أو ضد من يختلفون معها فقط في المذهب أو الطائفة، وهو ما تؤكده كثرة الهجومات الارهابية التي استهدفت العديد من الدول المجاورة في الشهور القليلة الماضية سواء ما وقع باليمن أو الكويت أو فرنسا، وما شهدته تونس الشقيقة في مناسبتين أليمتين لم تفصل بينهما سوى ثلاثة أشهر تقريبا، فبعد الاعتداء على متحف باردو مارس الماضي تهتز مجددا مدينة سوسة السياحية على وقع تفجيرات خلفت عددا كبيرا من القتلى والجرحى الذين لا ذنب لهم، سوى أنهم وجدوا أنفسهم في مكان خططت أيادي الغدر لتفجيره طلبا لجنة الخلد ولأنهار الخمر واللبن وسعيا للتمتع بالغلمان والحور العين..

نفس الوضع الذي تعيشه هذه البلدان المجاورة يلقي بظلاله على المغرب خاصة وأن التهديدات تتناسل يوما بعد يوم، عير صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتوعد جنود الظلام بقرب ساعة الغزو ولا يخفون نواياهم في تحويل البلد إلى ملحقة لدولة "الدم" التي تعيث في العراق والشام قتلا وتدميرا، وما يزيد الطين بلة هو تنامي خطابات التكفير في حق العديد من رموز الفكر الحداثي والمتنور بالمغرب، فكلنا يتذكر التهديدات التي تلقاها المفكر العلماني أحمد عصيد، وغيره ممن لا يخفون قناعاتهم الحداثية التي تتعارض جذريا مع ما يدعوا له أتباع "البغدادي" وأنصار الموت والسلاح باختلاف جماعاتهم المتطرفة..
الأخطر من كل ماسبق ذكره، ليس هو الخطر القادم من الشرق، بل هو الذي نحتضنه بين ظهرانينا، فواقعة الاعتداء على فتاتين بمدينة انزكان ضواحي أكادير بسبب لباسهن الذي اعتبره المعتدون مخلا بالحياء العام، وتزكية السلطات لهذا المبرر الواهي بقرارها متابعة الفتاتين قضائيا، لا يبشر بخير..

أضف إلى ذلك شريط الفيديو الذي تناقله رواد "الفيسبوك" والذي يظهر ملتحيا بلباس أفغاني يخاطب النساء في أحد شوارع مدينة طنجة، ويدعوهن إلى "ستر" أجسادهن نهارا جهارا وأمام الملأ، ويستغفر الله لهول صدمته من لباس نسوي عادي أصاب قلبه الهش بالصدمة و أثار فيه شعورا بالغضب..

وغير بعيد عن طنجة شاهدنا شريط فيديو لكلمة ألقاها أحد رموز السلفية بمدينة تطوان ينتقد خلالها ما أسماه "مجون الشباب وفسقهم" وتشبههم بالغرب "الكافر"وابتعادهم عن دين الله وملة رسوله، داعيا إلى محاربة ما أسماه "الرذيلة والمنكر"..

كما عرفت امتحانات نيل شهادة السلك الاعدادي بجهة سوس ماسة درعة، سابقة خطيرة من نوعها بعدما طرح واضعوا امتحان مادة التربية الاسلامية، نصا يربط بين أنشطة الأندية الحقوقية وانتشار التدخين والعنف والتحرش والكتابة على الجدران، يدعي من خلاله واضعو الامتحان أن بعض أعضاء النادي الحقوقي اعترضوا على أنشطة تحسيسية نظمها أعضاء من أندية الصحة والبيئة بمؤسسة تعليمية مفترضة، وكأن دعاة حقوق الانسان هم سبب ما بلغته منظومة "الأخلاق والقيم" من تدهور خطير..

كل هذه الوقائع والمؤشرات - وغيرها كثير- لا تبشر بخير، وتؤكد حقيقة واحدة وهي أن الخطر الداخلي أكبر بكثير من الأخطار الخارجية التي تهدد أمن واستقرار البلد، وحرية مواطنيه، ويزداد الوضع تعقيدا مع استمرار التضييق على حاملي الفكر المتنور داخل بلادنا من طرف السلطات التي منعت في غير ما مرة العديد من الأنشطة الثقافية والحقوقية التي تنظمها فعاليات مدنية وسياسية وحقوقية معروفة بمرجعيتها الكونية ونشرها لقيم التسامح والحوار والاختلاف، ولعل المنع الذي تتعرض له أنشطة الجمعية المغربية لحقوق الانسان، ومبادرات شباب "الفلسفة فالزنقة" ومنع جمعيات من الحصول على وصل الايداع القانوني كما هو حال جمعية "أطاك المغرب"، واعتقال العديد من الشباب المناضل بمجموعة من المواقع الجامعية، لمن العوامل المساعدة على تنامي خطابات التكفير والعنف والاعتداء على الحرية..
إن ترعرع خطاب العنف وتناميه داخل البلاد، لن تشفع معه لا مراقبة المطارات والحدود، ولا تجول الفرق الأمنية والعسكرية في الشوارع، فالخوف كل الخوف ان تتحول يا وطني إلى بؤرة قتل ودم..